أخبار الشعبة

حديث الجمعة / الحلقة 80 : ذكرى 20 غشت - الدكتور / أحمد بن محمد فاضل


بسم الله الرحمن الرحيم
حديث الجمعة:
الحلقة: (80)

ذكرى 20 غشت
الحمد لله رب العالمين، أمر عباده المؤمنين بالدفاع عن دينهم ومقدساتهم إِعْلاَءً لكلمة التوحيد وحماية للإسلام والمسلمين، نحمده سبحانه الذي وعد بنصر من ينصره من المجاهدين، فقال –سبحانه- وهو أصدق القائلين: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] ونصلي ونسلم على سيدنا محمد أفضل من جاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛
فيقول ربنا -عز من قائل سبحانه-: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5] أخي الكريم: عند تأملنا لهذه الآية الكريمة نجد أن الله -عز وجل- أمر عباده المؤمنين بأن يتذكروا ما مر بهم من أيام، ويقرؤوا تاريخ سلفهم الصالح، وقصص الأمم، وَسِيَرَ آبائهم وأجدادهم ممن تقدمهم، ففي ذلك أبلغ العبر وأكبر العظات وأعظم الدروس، ولذلك قال الله مخاطبا نبيه –صلى الله عليه وسلم- {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
فقراءة التاريخ واستعراض أحداثه ودراسة وقائعه تنبه الغافلين، وتوقظ النائمين، وتنفع المؤمنين، وتفيد المسلمين، وقد لَفَتَ الله أنظار المسلمين إلى أهمية قراءة التاريخ ودراسته، ونبههم إلى عظيم فائدته حينما قص عليهم في كتابه أخبار الغابرين، وأنباء الأولين، وقصص النبيئين، وسير المرسلين؛ ليترسموا خطاهم، ويسيروا على دربهم، ويقتفوا آثارهم، قال تعال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه}.[الأنعام: 90] أخي القارئ الكريم: لكل شعب مسلم تاريخه الحافل، ولكل بلد من بلدان المسلمين رصيده من النضال، وحظه من الكفاح، وسجله التاريخي الذي يحتفظ لأجياله بأيامه المشهودة، ويختزن لبنيه وأحفاده ذكرياته التي تشكل جزءا من إرثه الحضاري والثقافي، المتمثل فيما قام به أسلافه من الجهاد دفاعا عن دينهم، وحماية لوطنهم، وذودًا عن كرامتهم ومقدساتهم، فيتخذون منها مناسبات دورية متجددة، وذكريات وطنية خالدة، يستحضرون من خلالها صفحات مشرقة من تاريخهم، ويستعرضون فيها ما قدمه آباؤهم وأجدادهم من ملاحم عظام، وتضحيات جسام.
وإن من الذكريات المتجددة كل سنة، ذكرى العشرين من شهر غشت، التي شكلت ملحمة من ملاحم الشعب المغربي والعرش العلوي، فكانت ثورة مباركة في وجه المستعمرين الآثمين، وانتفاضة قوية مسلحة ضد المحتلين الغاشمين، حين بلغ ظلمهم أقصاه، ووصل طغيانهم غايته ومنتهاه، بعدما تنكروا لما وعدوا به الشعب المغربي من الجلاء والارتحال، وتمتيعه بالحرية والاستقلال، فأرادوا أن يدوسوا كرامة هذا الشعب تحت أقدامهم، ويضرموا نار الفتنة بين أهله، ويفرقوا بين شماله ووسطه وجنوبه، حتى تستمر هيمنتهم عليه، واحتلالهم لأراضيه، فامتدت يدهم الأثيمة إلى رمز سيادته، والساهر على أمنه واستقراره جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، وكذا إلى أسرته العلوية الشريفة، فنفوه عن شعبه وبلده، وحالوا بينه وبين عرشه ووطنه، ونصبوا مكانه ملكا مزيفا، وقائدا مصطنعا، ظنا منهم أن المقام سيطيب لهم، وأن الجو سوف يخلو لهم، ليفعلوا بالمغرب والمغاربة ما يحلو لهم، ولكن الظن لا يغني من الحق شيئا، فقد خيب الله سعيهم، ورد مكرهم، فوقف الشعب المغربي وملكه للظالمين بالمرصاد، فتحركت الغيرة الدينية والوطنية في نفوس المغاربة الأباة الأحرار، واشتعلت الثورة المسلحة ضد الاحتلال وعملاء الاستعمار، فقام الشعب المغربي من أقصاه إلى أقصاه، وفي سائر مدنه وقراه، يجاهد الغزاة المحتلين، ويقاوم الطغاة المعتدين، ويقضي على العملاء الخائنين، مخلصا في ذلك لربه ، متمسكا بثوابته، عاضّاً بالنواجذ على سنة سلفه، وفيا بعهده لملكه، مواليا لعرشه، مستسهلا في سبيل تحقيق هدفه كل صعب وعسير، ومسترخصا من أجل ذلك كل غال وثمين، فاشتعلت نار المقاومة في كل مكان، واندلعت الثورة في وجه الظلم والعدوان، بقيادة جلالة الملك المجاهد محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح ولي عهده آنذاك جلالةُ الملك الحسن الثاني –رحمهما الله- فتكللت الثورة المباركة بعد سنتين بالانتصار والاستقلال، وانتهت بإنهزام الاستعمار واندحار الاحتلال، فتحقق بذلك وعد الله لعباده المؤمنين الصادقين، حيث قال ربنا سبحانه في كتابه المبين: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].
وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
وقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» [رواه البخاري ومسلم].
أخي الكريم: علينا أن نعتز بديننا، وأن نفخر بوطننا وتاريخنا، ونعتز بوحدتنا وأمننا واستقرارنا، وأن نشكر الله –تعالى- على هذه النعم العظيمة، والآلاء الجسيمة، التي حرمها غيرنا، حتى نضمن دوامها واستمرارها، ونتجنب فقدها وزوالها مصداقا لقوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7] نسأل الله تعالى أن يرحم شهداءنا الأبرار، الذين استرخصوا نفوسهم في سبيل إعزاز الدين وكرامة الوطن، وعلى رأسهم الملكان المجاهدان مولانا محمد الخامس، ومولانا الحسن الثاني طيب الله ثراهما، وأسكنهما فسيح جنانه مع المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا، آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صوت سوس : الدكتور / أحمد بن محمد فاضل

Aucun commentaire